المياه المعدنية.. هل هي آمنة؟

التعقيد آفة من آفات العصر وضريبة لا بد من دفع ثمنها مقابل الرفاه التكنولوجي الذي نعيشه، فلم تعد الأمور بسيطة وواضحة كما كانت، ولهذا فعلى الانسان أن يلم بأمور كثيرة متعلقة بحياته الشخصية بدءا بمأكله ومشربه وانتهاء الى كل الأمور المتعلقة بعمله والتي تتطور في اليوم الواحد بسرعة مذهلة تكاد تصل الى سرعة الضوء، والمضحك في الأمر أن المامه بهذه الأمور ليس دوما بهدف التطوير بل في كثير من الأحيان انما هي لدفع ضرر محمتل.

أسوق هذه المقدمة وذلك قبل أن أتناول موضوعا يبدو بسيطا الا وهو شرب الماء، فالكثير منا عندما يريد أن يضرب مثلا في سهولة أمر ما يصفه بأنه كشربة ماء، ولكن لم يعد الأمر كذلك في عصرنا هذا، فشربة الماء هذه أصبحت معقدة، وهناك العشرات بل قل المئات من المراكز العلمية التي همها هو البحث في شربة الماء هذه، ولن أستطيع أن أتناول شربة الماء هذه بجميع جوانبها في هذه العجالة، فهو أمر مستحيل، ولكنني سوف أسلط الضوء على أحد الموضوعات المتعلقة بها الا وهو المياه المعدنية، ولعلي أتناول الموضوع من زوايا مختلفة مرات قادمة ان شاء الله تعالى.

تعتبرالمياه المعدنية واحدة من أكثر المنتجات استعمالا، ولا يكاد يخلو منزل منها، وقد وصل عدد الشركات المنتجة لها في عام 2001 م الى أكثر من 700 شركة، وأنا على يقين بأن العدد تضاعف مرات عدة منذ ذلك الحين، وعادة ما تتم تعبئة هذه المياه المعدنية في عبوات بلاستيكية، وقد وجد أن جملة من هذه العبوات غير صالحة لاستخدامها لتعبئة المياه المعدنية، والسبب هو أن الماء مذيب جيد لكثير من المواد الكيميائية ونتيجة لملامسته للسطح الداخلي للعبوة، فإنه وبمرور الوقت يعمل على إذابة هذه المواد المضرة، وعند شرب الانسان لهذه المياه تنتقل هذه المواد الضارة اليه وبسبب الاستعمال المتكرر لها فإن نسبتها ترتفع بشكل كبير وتسبب أضرارا بالغة، ولهذا فهناك بعض المواقع على شبكة الآنترنت تدعو الى التوقف عن شرب المياه المعدنية نتيجة لاحتوائها على هذه المواد الضارة!
بادئ ذي بدء نقول إن العبوات البلاستيكية تنقسم الى عدة أصناف ولابد من معرفة نوع البلاستيك المستخدم فهناك انواع عدة منها، وجميع عبوات المياه المعدنية المسوقة في السلطنة والتي وقعت تحت ناظري سوف تجد في أسفلها اشارة تشبه المثلث وبداخله الرقم 1 وهذا يعني أن المادة المستخدمة في تصنيع هذه العبوة هي Polyethylene terephathalate ويرمز لها عادة بالرمز TEP
أما اذا وجدت الاشارة التي تشبه المثلث وبها الرقم 6 فيجب التعامل معها بحذر حيث إن هناك تقريرا صدر حديثا من احد مراكز البحث العلمية في احدى الدول العربية تفيد بأن هذا النوع من البلاستيك المستخدم من قبل بعض الشركات يسرب بعضا من المواد العضوية الخطرة جدا والمسببة للسرطان، وهناك دراسات أخرى تشير الى خطورة استخدام مواد بلاستيكية أخرى يرمز لها عادة بالرقم .7
وحيث إن عبوات الـ TEP (أي الرقم 1) هي المستخدمة في السلطنة فسوف نقصر حديثنا عنها كي لا يتشعب الموضوع ويتشتت الذهن.
هذه العبوات تعتبر من أجود العبوات المستخدمة لهذا الغرض فهي تكاد تكون خالية من الكثير من المشاكل التي توجد في العبوات البلاستيكية المصنعة من مواد أخرى، ولكن ظهر تقريران أحدهما تم نشره في احدى الدوريات التابعة للجمعية الملكية للكيمياء ومقرها المملكة المتحدة وذلك قبل نحو سنتين والآخر تم نشره في هذه السنة في إحدى المجلات الأمريكية الرائدة، والبحث الذي تم نشره قد أجري في جامعة اريزونا الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكلا التقريرين أوردا أن جميع العينات التي تم شراؤها من الأسواق الأمريكية والأوروبية ـــ وقد كتب عليها بوضوح نوع البلاستيك المستخدم في العبوات وهو النوع الذي أشرنا اليه مسبقا ـــ لوحظ فيها تسرب عنصر الأنتيمون الى الماء الموجود في داخل هذه العبوات، والأنتيمون مادة تسبب الاسهال والقيء لدى الانسان كما أنها تؤدي الى ارتفاع ضغط الدم وانخفاض نسبة السكر في الدم وذلك حسب التقارير الصحية الصادرة في هذا الخصوص، وهناك بعض الابحاث أشارت إلى أنها من المسببات لمرض السرطان وقد حددت منظمة الصحة العالمية تركيز الأنتيمون في مياه الشرب بألا يتجاور الـ 20 نانوجراما في اللتر الواحد (النانوجرام 1 من الالف ملليجرام)، بينما نجد أن هناك جهات عالمية اخرى حددتها بحيث لا تتجاوزالـ2 نانوجرام في اللتر الواحد كما هو الحال في اليابان، لكن التقريرين توصلا الى نتيجة مفادها، ان نسب التسرب من هذه العبوات ضئيل جدا بحيث لا يتعدى حوالي نصف نانوجرام في اللتر الواحد وهي نسبة ضئيلة جدا، وعليه فيمكن القول بأن هذه العبوات آمنة من ناحية الأنتيمون، ولكن الأمر المهم الذي اشار اليه التقرير الأخير هو أن نسبة تسرب هذه المادة يزداد بشكل ملحوظ عند ارتفاع درجة الحرارة، بحيث يصل الى نحو 14 نانوجراما في اللتر الواحد، وهو أمر لابد من ملاحظته خاصة ودرجات الحرارة عندنا ترتفع بشكل ملحوظ وقد تتجاوز الـ50 درجة مئوية في السيارات وعربات النقل والمخازن، لذا فقبل الاقدام على الشراء لابد من التأكد من أن ظروف التخزين كانت جيدة وأن درجات الحرارة لم تكن مرتفعة بحيث لم تتجاوز 30 الى 35 درجة مئوية، واذا لم يكن بالامكان التأكد من ذلك فانظر الى تاريخ انتاج العبوة وتيقن أنه لم يمض عليها أكثر من حوالي من شهر وكلما كان تاريخ الانتاج أقرب كان ذلك افضل. كما أنه لا بد من حفظها بعد الشراء في درجة حرارة لا تتجاوز 30 درجة مئوية وان أمكن تخزينها في درجة حرارة 22 درجة مئوية فهذا افضل، ولا ترهق ميزانيتك بحفظها في الثلاجة، فالتقرير أوضح انه لا فرق في التخزين في درجة حرارة 22 درجة مئوية و4 درجات مئوية. هذا ما تم التوصل اليه الى يومنا هذا، ولهذا اتبع ما ذكرته ولاتعبأ بما يقال واشربه هنيئا